عِيدُ الغَدِير فِي فِقْهِ الْحَنَفِيِّ

  

المفتي عثمان صديقي
عِيدُ الغَدير من منظور فقه الحنفي، 


عِيدُ الغَدِير فِي فِقْهِ الْحَنَفِيِّ

مقدمة

الإسلام دينُ عبادة ودستور حياة، وله منهجية واضحة في العبادات والأعياد. ويعدّ المدرسة الحنفيّة أقدمَ المذاهب الفقهية السنيّة، ويُعتمد عليها في عدد من الدول. من جهة أخرى، يحتفل الشيعة بيوم عِيد الغدير، مستندين إلى واقعة غدير خم التي رآها الشيعة نصبًا وتحقيقًا لإمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. لكن المدرسة الحنفيّة على خلاف ذلك، فتقبل الحدث تاريخياً دون الإقرار باعتباره أساسًا لعيد شرعي. سنتناول هذا الموضوع تفصيلاً من منظور فقهي حنفي.


1. الخلفية التاريخية لواقعة غدير خم

في يوم 18 ذو الحجة سنة 10 هـ، وقبيل مغادرته مكة بعد حجّة الوداع، وقف النبي ﷺ عند منطقة “غدير خم” ووجه كلامًا إلى الصحابة قائلاً:

«من كنت مولاه فهذا علي مولاه»

تُرجم هذا الحديث إلى نص تاريخي في مصادر أهل السنة مثل المسند، والترمذي، والنسائي. بينما يتفاوت التفسير، يرى الشيعة أنه إعلان عن تولية الإمام علي، ويراه الحنفية والمذاهب الأخرى تعبيرًا عن محبة ومجالسة علي.


2. فهم "المولى" في النصوص الحنفية

كلمة "مولى" في اللغة العربية متعددة الدلالات:

  • السيد

  • الصديق

  • الحامي

  • الذليل

  • الشخص الذي يُتّكل عليه

الحنفية يميلون إلى قراءة “مولى” هنا بمعنى الصديق والمُحب المحتفى به، لا الولي الأعلى أو الخليفة. وفي تاريخ الكلام الشعبي، استُخدمت كلمة “مولى” في السياق الاجتماعي للدلالة على المحبة والفضل.


3. عِيدُ الغَدِير في ضوء الأحكام الحنفيّة

3.1. تعداد الأعياد في الشريعة

تنحصر الأعياد الشرعية في الإسلام في يومين:

  1. عيد الفطر – بعد رمضان

  2. عيد الأضحى – يوم النحر

وهما فقط من ثبتت نصوصهما في القرآن والسنة، بخلاف عِيد الغدير الذي لا نصّ شرعي صريح يقيمه.

3.2. القاعدة الفقهية: الأصل في العبادات التوقيف

الفقه الحنفي يؤكد على أن العبادات لا تصح إلا بنص شرعي مثبت (قرآن أو صحيح). فالتقدّم بدون نص يُعد بدعة. والنهي عن البدع معروف في الحديث:

«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ» (متفق عليه)

وبهذا، يُعتبر إعلان يوم الغدير "عيدًا" من دون نص قابل للرفض الفقهي.


4. آراء كبار الحنفيين

4.1. الإمام أبو حنيفة (ت 150 هـ)

لم يشر أبو حنيفة رضي الله عنه إلى إقرار عيد الغدير، ولا تثمينه على أنه يوم شرعي. وبالتالي لا تأييد منه للاحتفال بيوم الغدير كعيد.

4.2. الإمام محمد بن الحسن الشيباني والزبيدي

كلامهم يسير على نهج الإمام أبي حنيفة، حيث لم يُخصصوا يوم الغدير كعيد في كتبهم الفقهية.

4.3. الإمام الطبري والحافظ ابن حجر

في كتبهم الحديثية، روايات الغدير واردة لكنها دون إدخالها في إطار الأعياد.

4.4. الإمام ابن عابدين (متوفى 1252 هـ)

صرّح في "رد المحتار" بأن تخصيص يوم معين "عيداً" دون دليل نصي شرعي هو "بدعة".


5. الفوائد الحنفية من ذكرية الغدير

حتى وإن رفضوا اعتباره "عيدًا شرعيًا"، فإن علماء الحنفية يرون الفوائد التالية:

  • التأكيد على محبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ضمن أهل البيت وذوي القربى.

  • توضيح مكانة علي بين الصحابة، مع الحفاظ على سياق الحب والعدل دون تعظيم.

  • تعزيز جماعة الأمة والابتعاد عن الطائفية والتنازع.

فعيد الغدير يظل مناسبة للتذكير بدور علي وإنجازاته، دون تحويله إلى عبادة أو واجب ديني.


6. التساؤلات الشائعة وردود الحنفية

6.1. هل يُنكر الحنفية واقعة غدير؟

لا. إنهم يقبلونها كحدث تاريخي مثبت، ولكنهم يرفضون معيّن تفسيرها السياسي للشيعة.

6.2. هل حب علي من الإيمان؟

نعم. المتون الاعتقادية الحنفية تنص على وجوب محبة أهل البيت والرضا عن أصحاب النبي رضي الله عنهم كلهم.

6.3. هل يجوز حضور احتفالات الغدير كعادة اجتماعية؟

يحذّر الحنفي عند دخول هذه الاحتفالات “طعماً دينيّاً” أو طابعاً يُشبه العبادة. أما إذا كان بنية اجتماعية ثقافية خالية من أي تعظيم خارجي، فالشاذ هو ما يعظّم دون دليل.


7. منهج الحنفية في التوازن

منهج الحنفية ركّز على:

  • الحب الشرعي لأهل البيت والصحابة

  • الوسطية بين الغلو والتفريط

  • التوحيد الشامل للأمة

  • الضبط الشرعي في العبادات والأعياد

واستهجنوا أي جعل لعادات متعارف عليها باسم “عيد ديني” دون نص شرعي معتبر.


8. خلاصة

  • واقعة غدير خم وقعت تاريخيًا وتُعرض رواياتها في كتب السنة.

  • العلماء الحنفيون يقبلوها كذكرى دون اعتبارها عيداً شرعياً.

  • مدرسة الحنفية تتمسك بإثبات محبة علي رضي الله عنه، وفي الوقت نفسه تحظر تزييف الشعائر وتحويله إلى عبادة مضافة.

  • استمرارية الاحتفال بـ"عيد الغدير" – بدون دليل شرعي ثابت – تُعدّ بدعة عند علماء الحنفية.

  • المحبة الحقيقة تعني الالتزام بالسنة، واحترام أخواك المسلم، والابتعاد عن مواقف مبتدعة تُفرّق الأمة.


الخاتمة

يمثّل موقف الحنفيمن عيد الغدير نموذجًا للوسطية والاعتدال الفقهي:ة  يجمع بين قبوله التاريخي وحبه لعلي رضي الله عنه، وبين رفضه لاستخدام الحدث كحجة لإضافة مناسبة دينية غير مذكورة في نصوص الشرع.

في ظل الانقسامات الطائفية المعاصرة، يبقى موقف الحنفية - الذي يوازن بين القيمة الروحية للتاريخ والرؤية الشرعية المتينة - خيارًا سديدًا يسعى للوحدة والوعي الإسلامي الأصيل. الحرص على التزام السنة والمواثيق الفقهية هو خير عمل يربط المسلم بوحدته وجوهر مذهبه.


Comments

Popular posts from this blog

نماز کی فضیلت

Namaz ki Fazilat Quran or Hadaith Ki Roshni Mn

Shan e Bait ul Maqdas